Friday, March 29, 2013

من عمشيت صاحت ألين لحود لروح أمها سلوى القطريب: ”بكير تركتيني“

الغصة تلو الغصة أوقفت ألين عن متابعة الغناء وهي تسجل أغنيتها <بكير تركتيني> التي أهدتها لروح والدتها الفنانة الراحلة سلوى القطريب قبل سبعة عشر يوماً من عيد الأم من العام 2009. سلوى القطريب، <أم ألين> فارقت وحيدتها باكراً، فجأة، من دون أن تترك الوقت لصغيرتها أن تثبت لها أنها تسير على درب الفن الجميل الذي ربيت عليه في عائلة خافت عليها من تعرجات ما أصبح يسمى زوراً.. <فناً>.
داخل منزل العائلة في عمشيت، وسط حشد من الأهل والأصدقاء والفنانين والاعلاميين أطلقت ألين أغنيتها بثوب أبيض أنيق مع صورة عملاقة بالأبيض والأسود شكلت غلاف البوم أغنية <بكير تركتيني> وفيه ألين الصغيرة بجانب والدتها النجمة.. الأغنية ليست من نظمها ولا من كلمات فاض بها حزنها إنما أتتها مكتوبة على ورقة من قبل طبيب لم يعرف ألين يوماً، إلا أنه وضع نفسه مكانها فكانت كلمات الأغنية التي لحنها ووزعها الفنان غدي الرحباني.
<الأفكار> رافقت إطلاق الأغنية وكان لها فيما بعد حديث مع ألين المتأثرة الى أبعد الحدود برحيل والدتها.

من عمشيت البداية...

اختيار منزل العائلة في عمشيت يحمل أكثر من دلالة. هذا المنزل شهد زواج سلوى من ناهي، شقيق روميو لحود الفنان الذي لا يملك كلمات يعبر فيها عما يختلج في قلبه في هذه المناسبة.
خسارته مزدوجة: على الصعيد الانساني، فقد سلوى الانسانة الشفافة والصادقة، أخت زوجته الحبيبة الكسندرا التي عجل موت أختها في رحيلها كما يقول، وعلى الصعيد الفني خسر فنانة اشتغل معها أكثر من عمل لا زال يتردد صداه وأثمر أغنيات تتسابق النجمات اللبنانيات اليوم على إعادة غنائها وتسجيلها وكأن سلوى تنال بعد مماتها حقها الذي عرفته طبعاً في حياتها، إلا أنها كانت لتستحق أكثر منه بكثير.
كذلك فإن عمشيت التي تحتضن البيت اللحودي كرمت سلوى في العام 2009 في احتفال موسيقي بمناسبة عيد مولدها في ساحة الجيش اللبناني، هي التي غنت له وللوطن الكثير، وذلك في حضور السيدة الأولى وفاء سليمان، فكانت استعادة لأغنيات سلوى بصوتها وبصوت سبعة فنانين من أصدقائها.
لعمشيت اذن مكانة خاصة. تقول ألين:
- اخترت أن أطلق الأغنية من منزل العائلة في عمشيت، لأن هذا المنزل حمل الكثير من الأحزان والمآسي والموت في حياة سلوى فأردت أن أدخل الفرح والسعادة اليه. أردت أن أكرم سلوى بهذا العمل لأنه يعبر عن شوقي لها.
غنت ألين في السهرة الحميمة من كل قلبها، بتقنية الفنانة المحترفة. أعجبها سؤالنا لها عن الحرفية التي غنت بها في حين أن فنانات غنين لأولادهن بمناسبة ولادتهن أو أعيادهن، يجهشن ويدمعن ولا يكملن من التأثر. لم تخف علينا إن الحال هذه مرت بها في الاستديو حيث سجلتها. <في المرة الأولى التي دخلت فيها للتسجيل اختنقت. أحسست بشيء يشد بقوة على رقبتي وكأنه يريد أن يخنق الأغنية بداخلي. غادرت الاستديو، وأجلنا التسجيل لأسبوع. وفي كل مرة أعود، كنت أشعر بالخنقة عينها الى أن اتخذت القرار. في هذه السهرة، كنت خائفة أن تفلت مني الأمور.. الحمد لله <الله دبر> وأمي ساعدتني. للمرة الأولى أسيطر بهذا القدر على أعصابي. هذه هديتي لسلوى. هذه رسالة مني أطمئنها فيها عن أحوالي. لا أقلل من قيمة الوجع، إنما حولته الى قوة. الاشتياق حولته الى طاقة التقي بها من خلاله. ليس صحيحاً أن الموت مصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر. بت أشتاق لها أكثر، أفتقدها بشكل أكبر. هذه أغنيتي لها، هي مشجعتي الأولى على الغناء والتي قالت لي ذات يوم: <صوتك متمكن جداً. يمكنك أن تسيطري عليه أفضل مما أسيطر أنا على صوتي>.. كانت تحب كثيراً أن تسمعني أغني.
وتزيد ألين :
- الجو كان جميلاً ومؤثراً للغاية ولقد فرحت بوجود العائلة والأصدقاء وتفاجأت بأن كثيرين لبوا الدعوة من أهل الصحافة والفن. لقد فكرت أن يكون إطلاق الأغنية من ضمن حفلة غنائية صغيرة منوعة بمناسبة عيد الأم إلا أنني لشدة ما أحببت الأغنية لم أرد أن أفقد لها رونقها، علماً أن المناسبة قاسية جداً. أردت أن أحولها الى مناسبة فرحة. فالأغنية كانت محضرة منذ نحو العامين واليوم حان وقتها.
كلمات الأغنية جعلت ألين تشعر أنها من كتبها. وعند سؤالنا لها لماذا لم تكتب هي فعلاً كلمات أغنيتها خاصة أنها وجدانية تتوجه بها الى والدتها، قالت:
- لست شاعرة ولا يمكن لمن يكتب أفكاراً حلوة أن يسمى كذلك. ولا مرة جربت حكاية الشعر، علماً أن لي بعض الخواطر. فاجأني الدكتور حمد ابو ضرغم بهذه الكلمات. هو طبيب متخصص في جراحة الأعصاب، يهوى الأدب ويساهم في مختلف الأعمال الانسانية. لقد تكلم بلساني وترجم أحاسيسي الفعلية، علماً أن لا معرفة لي به. تفاجأت فعلاً: هل هو مجرد توارد للأفكار؟ هل هي صدفة، أم هو ربما متابع لي، أو مستمع لمقابلاتي حتى عبر بالكلمات عينها التي أستخدمتها أنا ؟وتقول الأغنية:
<بآخر مرة شفتيني من غصة صوتي عرفتيني
وقتا كانت آخر ضمي، من بعدا والله يا امي
بحلم ليلية تضميني
تمنيت ما تخافي علي
انت القوة اللي بقيت فيي
انت الهالة اللي بعيني مطرح ما بروح بتحميني
بعدك عني غير حالي كل شي تركتي بقلبي غالي
منك باقي نجمة قبالي بحكي معها وبتحاكيني>.

سلوى.. الأم

كلمة <نجمة> استوقفتنا مع ألين. فعلاقة <الأم - النجمة> تختلف عن غيرها من العلاقات بين الأم وبناتها تحديداً. هناك تلك الأنانية التي يشرعها البعض لمن هن تحت الأضواء واللواتي تأبين إلا أن تكون هذه مسلطة عليهن، خاصة اذا امتلكت البنت موهبة مماثلة. أمثلة عديدة أظهرت أن الفن قد يطغى على اهتمامات المرأة الفنانة على أي شيء آخر، حتى عائلتها. الأسطورة صباح لا تعرف ندماً إلا على تلك العلاقة مع أولادها، ابنتها هويدا تحديداً.
باستنفار تقول ألين وتشدد على أن نكتبها:
- سلوى القطريب لا تقارن بأية فنانة أخرى، لا من النجمات ولا من الأمهات. لقد كانت أماً في كل ما للكلمة من معنى. لم تطغَ نجوميتها يوماً على امومتها. لم أطلبها مرة إلا وكانت الى جانبي. لم تفضل سفراً أو عملاً عليّ، ولم تشكل لي نجوميتها أية عقدة لأنني كنت أولويتها وليت النجمات اليوم يتشبهن بها. لقد شكلت توأماً لروحي، نفهم على بعضنا من النظرة وعلاقتنا مستمرة حتى الآن فهي ترسل اليّ الاشارات حين يكون لدي خيار ما أو مسألة أنا بحاجة فيها لمشورتها.
ولما سألنا ألين عن دورها في أن تصبح أماً تبتسم وتجيب:
- إنها قسمة ونصيب، وأنا أحب العائلة. هنا أستكمل ما كنت تحدثت عنه سابقاً، لن أتزوج إلا حينما أشعر أنني مهيئة تماماً لأن أكون أماً، لأن هذا قرار يستتبعه أن تأتي العائلة لديّ في المقام الأول. فالأم ومهما علا شأنها في النجومية والشهرة ومهما اغتنت وجمعت المال يجب كما سلوى أن تضع عائلتها في المقام الأول. أنا الآن أعطي الأولوية لعملي وعندما أقوم بخطوة الزواج يجب أن أكون واعية لما ينتظرني.

استغلوا الحضن الدافئ..

أكثر ما تفتقده ألين بغياب والدتها أمران اثنان: <الحنّية>، والنصيحة التي في محلها. على الثانية تشدد كثيراً. <أسأل كثيرين من حولي ببعض الأمور، وأنا أثق بهم إلا أنني أبقى غير مقتنعة تماماً. هذه الحال لم أشعر بها يوماً مع سلوى. كانت تقول لي رأيها بكل تجرد وبشكل يصيب الهدف تماماً حتى ولو سلبياً فكنت لما آخذ رأيها، أرتاح. لا أحد في الدنيا على الاطلاق مهما كان قريباً يمكنه أن يحل مكان الأم. وأنا هنا أوجه كلمة للأبناء: استغلوا الوقت وكونوا دائماً الى جانب أهلكم، أمكم بشكل خاص استفيدوا من الحضن الدافئ الذي لن تجدوه يوماً إن انتم خسرتموه.
الأغنيات التي تركتها سلوى سمعناها بلسان أكثر من نجمة معروفة من اليسا الى كارول سماحة وغيرهن:
عن ذلك تقول ألين:
- أعتبر الخطوات التي قامت بها بعض الفنانات تكريماً لسلوى، نوعاً من التقدير لها. لا أعارض تجديد أغنياتها من قبلهن، فسلوى كانت لجميع الناس ولم تغن لأفراد عائلتها فقط شرط أن لا تشوه الأعمال. توزيع <خذني معك <كان> ركيكاً بعض الشيء، علماً أنني أحب صوت كارول (سماحة) جداً وأعطيت رأيي سلبا بأغنية <طال السهر> اذ لم أحبها بصيغتها الجديدة وطريقة غنائها. من ناحيتي أعمل على مشروع ضخم يجمع <ريبيرتوار> سلوى في تجديد لأغنياتها إلا أنني لا أستطيع الافصاح عنه الآن ريثما يتم الاتفاق النهائي بشأنه.
العمل الذي يستحوذ على دنيا ألين حالياً، يتوزع ما بين الغناء والتلفزيون والمسرح.
ستجول مع مسرحية <عارض الغجر> في مختلف الدول العربية. أما عمل <السلطانة> الذي كان معداً من قبل روميو لحود لسلوى فقد تغير اسمه بعد رحيلها ليصبح <طريق الشمس> وأدخلت عليه تعديلات كثيرة، وستلعب فيه ألين دوراً جديداً عليها. دورها باسم <عنترة> ستكون فيه <حسن صبي>، ويحكي عن بنت تعيش في قصر ولا تعرف أهلها. هو دور كوميدي يشاركها فيه عدد من الأسماء بينهم وليد العلايلي وغبريال يمين. أما عن رأي الأستاذ روميو مخرج هذه المسرحية بالأغنية الجديدة تقول ألين <عندما يصمت الأستاذ روميو فهذا يعني أنه راضٍ>.
أما في التلفزيون، فسيعرض لألين بعد فترة وجيزة مسلسل من بطولتها وبديع ابو شقرا، مسلسل تراه جميلاً لا بل من أجمل ما كتب انطوان شمعون ومن اخراج نبيل لبس بعنوان <الرؤية الثالثة> على <المستقبل>. هذه الشاشة كانت ألين عاتبة عليها سابقاً علماً أنها تحبها وتحترمها وظهرت في برامجها اكثر من مرة. <انه عتب على قدر المحبة بسبب عدم التسويق والدعاية الكافية للبرامج الدرامية على هذه الشاشة بشكل خاص>، متمنية ان تكون الأمور قد عولجت هذه المرة بعد <النفضة> التي قام بها التلفزيون منذ مدة.
في الغناء، كان آخر أعمال ألين ومن الحان وتوزيع غدي الرحباني <بكير تركتيني> وسجلتها الأوركستراليا في ستوديو جورج مرعب . سبق للرحباني أن تعاون مع كاتب كلمات الأغنية الدكتور حمد بو ضرغم في أخرى سابقة عن وهب الأعضاء ومعه، أي غدي، أرسل الطبيب لألين كلمات الأغنية. الى هذه، انهت ألين منذ فترة وجيزة تسجيل أغنية جديدة بعنوان <انت> تتوجه بها الى ذوي الاعاقات والاحتياجات الخاصة ليحولوا إعاقتهم الى طاقة ايجابية. وتتضمن الأغنية رسالة تدعو فيها الناس الى الكف عن النظر لأصحاب الاحتياجات الخاصة بنظرة النقص أو العطف إنما تحثهم على ان يقدموا لهم الفرص المناسبة للاستفادة من طاقاتهم.
ويبقى الأهم، مسلسل<سلوى> الذي يكتبه ناهي زوجها عن حياتها ومسيرتها الفنية. التحضير جار على قدم وساق وقد تم الانتهاء من كتابة خمس حلقات منه بانتظار انتاج سخي يمد العمل بمتطلبات خاصة وضخمة من حيث التقنيات والصوت والصورة. إنتاج يعيد للأذهان صورة سلوى <الأيقونة> كما يحلو لألين أن تسميها هي التي فارقتها عن تسعة وخمسين عاماً في الرابع من آذار من العام 2009 إثر جلطة دماغية مفاجئة.

عبير انطون

No comments:

Post a Comment