Monday, April 15, 2013

الدراما اللبنانية تلامس "الرؤيا الثالثة" في الإنسان: أبعادنا النفسية يقين رغم الشكّ

تقف الدراما دقيقة صمت قبل ان تفكر في الاقتراب من الجانب النفسي الصرف في تركيبة الانسان. اللبناني والعربي والتركي (في طبيعة الحال)، كائنات اجتماعية عاطفية، تحب، تكره، تحمل السلاح، تدخل السجن، تهرّب الممنوعات، تتسوّل، تمارس الجنس، وتدمن المخدرات، ولكنها أمام تقلبات النفس وانعزالها في عوالم خاصة، تعود سليمة، قوية، ومعافاة. الدراما مرآة هذه الكائنات المكتوب أسفلها "انها ليست الحقيقة". الكاتب طوني جورج شمعون أقرب الى الحقيقة من كل هؤلاء.
يظنون الانسان رؤيتين: الجسد الذي لا يقبل الشكّ، والروح، وديعة الله في الكائنات الحية، يسترجعها متى يشاء، وفق الأديان. والباقي مضيعة للوقت تعتاش منه الفلسفات. مبالغٌ فيه القول ان مسلسل "الرؤيا الثالثة"، جديد تلفزيون "المستقبل"، لشمعون كتابةً ونبيل لبّس اخراجاً، يعيد الاعتبار الى النفس قوةً فاعلة في القرار والمصير. ولكن، من خلال البطلة "ياسمين" (ألين لحود)، والرجل المترجّح بين الحقيقة والخيال، "زياد" (بديع أبو شقرا)، وارتباط الذات بالموضوع عبر توقّف الزمن بالموت أو المأساة، نال شمعون شرف المحاولة في انتظار انقشاع الأفق في المقبل من الحلقات.
موت الوالدين "نعمة" (جوزف بو نصار) و"هدى" (منى كريم) في تدهور سيارتهما، وهما في طريقهما الى المطار لاستقبالها، يترك في ياسمين، وحيدتهما، شعوراً قاسياً بالذنب يتطوّر رفضاً لتقبّل واقع ترى نفسها سبباً في فظاعته. ربط الموت بالبطلة لم يأت من عبث. ننسى أوجاعاً نتلقاها، وتلك التي نصنعها تعصى على النسيان. الحادث، لو وُضع في اطار آخر، لظهرت لحود مبالغة في الأداء. عقدة الذنب، الاعتماد المطلق على الآخر (والداها)، ورفض المحيط الاجتماعي للصدمات، تآزرت جميعها في عمل لافت درامياً من دون الحاجة بالضرورة الى المطاردة البوليسية والشطحات المضخّمة وبقايا الانفعالات. الأهم ان أحداً لم يستغل غياب ثقافة العيادة النفسية والمرض النفسي عن اهتمامات المجتمع، ليسرح ويمرح على هواه.
اختيار شخصية الكاتب والصحافي لبديع أبو شقرا سهّل لياسمين البحث عن ملجأ يستوعب ما تمرّ به من تحولات، ليتبين لاحقاً انه هو الآخر، السوي بنظر الناس، غارقٌ في الأوهام. يصعب فهم النفس الانسانية. بعضنا يحاول وبعضنا ملّ المحاولات.
والآخرون أيضاً مركبون من أوهام. لعلها ليست مصادفة ربط شخصية ياسمين المضطربة نفسياً بالمال. ثروة والديها المتوفيين تجعلها محطّ أطماع عائلة عمّها "سعيد" (عصام الأشقر)، زوجته "ليلى" (نهلا داود)، الابن "مكرم" (طوني عيسى) وزوجته "سابين" (غادة بيضون)، فالابنة المتيقّظة لما يجري، "لينا" (ليزا الدبس). المال مقابل الانسانية في العلاقات. يتآمرون سراً على الفتاة. بالدواء، بالحوادث التي لم تجر، وبرفض امتثالها الى الشفاء. لكن المخرج نبيل لبّس كان رجل المؤامرات. في عمله الاخراجي هذا بعد "تحليق النسور" (المسلسلان من انتاج "Arrows Productions")، يُظهر قدرة على التميّز بالصعب والدقيق من الأعمال. يشارك البطلين هروبهما من الواقع. قوة الأسود، الموسيقى المنبثقة من التيه والخوف، استرجاع الشخصيات بالتذكر وربط الأزمنة من دون مطّ أو تطويل مفتعل للمشهديات، نضج الممثلين أمام كاميرته، الى الاستحالة التي يتسم بها قلم شمعون بينما ينسج الأحداث، تركت في المُشاهد انطباعاً باختلاف العمل عن يوميات التلفزيون المتمسكة بنظرة المرء الكلاسيكية الى الأيام.
التصفيق للعمل لا يزال مبكراً، رغم اجتيازه مرحلة الانطباع الأول بنجاح. ألين لحود وبديع أبو شقرا ثنائي قادر على أصعب الأدوار. مقنعان حتى الآن، مثل الطبيعة، مكان التصوير حيث العزلة والانتماء. هذا تحليل للعمل وتعريف به، ولنا عودة نقدية مع نهاية الأحداث.
Al Rokya Al Thalitha

No comments:

Post a Comment