Sunday, January 13, 2013

ختام عروض مسرحية "ع أرض الغجر" بنجاح كبير


تركت مسرحية "ع أرض الغجر" بصمة في قلوب الجمهور الذي تابع العرض الأخير الذي قُدِّم على مسرح برج بارك بالقرب من برج خليفة يوم السبت الماضي، ضمن العروض الثقافية والفنية التي تقدمها مؤسسة دبي للفعاليات والترويج التجاري لجمهور مهرجان دبي للتسوق في دورته الثامنة عشرة.
 
وإذا فتحنا باب النقد الفني، لابد أن نتناول كل عنصر من مفردات العمل الفني على حدة، قبل أن نجد الرابط العام بينها، ونبدأ من القصة.. فقد تناولت المسرحية في قصتها المبتكرة قضية الصراع بين الإنسان والأرض، وكانت حداثة الفكرة سبباً في نجاح العرض من بين أسباب أخرى تتعلق بالبناء الدرامي وإجادة استخدام المسرح وأدواته في عرض الفكرة، وكانت النهاية مفاجأة للجمهور ولكنها تتماشى مع الخط الدرامي للقصة التي جاءت متكاملة ومترابطة منذ الحدث الأول إلى الأخير، وأجاد خلال العرض كل أعضاء الفريق بداية من الممثلين الذين عبر كل منهم عن الشخصية التي يؤديها بحرفية عالية أقنعت الجمهور، وبصفة خاصة شخصية الشيخ مصبح الزازا، كما أجاد البطل سلفادو استخدام حنجرته القوية في أداء الأغنيات التي تخللت العرض، وقام الجمهور بالتصفيق أثناء العرض أكثر من مرة للتعبير عن إعجابه بالأداء.
 
ويمكن اعتبار العرض المسرحي رصيدا إيجابيا للرحابنة القدامى والجدد معاً، فمن يشاهد العرض يفهم أن شخصية الراحلين منصور وعاصي لا تزال تترك أثراً فنياً كبيراً يحسه الجمهور من بين السطور، خاصة جمهور الرحابنة القدامى، كما أن الفكرة في حد ذاتها تعبر عن النضج الفني الذي وصل إليه تلاميذ ناجحون لأساتذة راحلين، ولعل أبلغ دليل على ذلك أن المشاهد يشعر بالامتداد الفني والفكري بين الاثنين، والاستعراضات المبتكرة التي أمتعت الجمهور كذلك تنتمي إلى المدرسة العريقة، وتتمتع بنفس المذاق الفني العريق واللائق بتاريخ الرحابنة الموغل في محراب الفن الاستعراضي المسرحي منذ منتصف القرن الماضي، وهذه الاستعراضات الغنائية الموسيقية تضفي على العرض جمالية تخرج به من حدود الرتابة والملل، وتسرق اهتمام المشاهد وتورطه إلى آخر دقيقة من العرض، كما تعيد إحياء أحد الفنون المنقرضة في عصر المسرح التجاري الذي يتعجل المكسب المادي على حساب الفن.
 
ويمكن اعتبار الاستعراضات ناجحة لأنها تجاوزت حدود التقليد ووظفها المخرج توظيفاً جيداً للتعبير عن المواقف الدرامية المتعددة التي مر بها البطل خلال الأحداث، إلى درجة النزول عن خشبة المسرح والتجول بين الجمهور، كما أجاد أفراد الفرقة تقديم هذه العروض بلياقة وخفة وتناغم لا يقل عن التناغم بين عناصر العرض الأخرى، مثل الألحان التي وضعها باحتراف غدي الرحباني، والتي تعكس تشبعه واقتناعه التام بأهمية المسرح الاستعراضي في تغيير العقول والأفكار، ويتسق ذلك مع أداء شقيقه مروان الذي أخرج العرض بإتقان يؤكد أنه تشرب باقتدار موهبة الأب في الإدارة والتوجيه، فنجد الديكور المعبر عن المواقف المختلفة، مثلاً خيام الغجر كانت خياماً حقيقية ودرجات السلم لم تكن مجرد واجهة، حتى العمال المختصين باستبدال لوحات الديكور أجادوا القيام بذلك الدور بسرعة ودون أن نلاحظ - نحن الجمهور - ذلك، أيضاً إذا تأملنا تصميم الملابس نجدها تتسق مع المشهد، وعلى الرغم من تعدد المناظر المسرحية التي أداها فريق الغجر، إلا أن الملابس كانت تستبدل في كل مشهد بما يناسبه، ويعني ذلك ببساطة احترام عقول الجمهور.
 
وإذا تناولنا الإضاءة، نجد أنها لم تقل نجاحاً عن باقي العناصر التي ساهمت في نجاح العرض، فالمخرج أجاد استخدامها في نقل المشاهد من مكانه على أرض برج بارك بوسط مدينة دبي إلى البرازيل تارة (في مشهد خطيبة سلفادو تتلقى مكالمته) وإلى لبنان تارة أخرى، فعندما يسلط الدائرة على مشهد ويُظلم باقي المشهد فهو ينجح في لفت أنظار الجمهور إلى هذا الركن بحرفية عالية، علاوة على استخدام الألوان بالتناغم مع أداء الفرقة الاستعراضية، وهي المعادلة الصعبة التي تستغرق من المخرج الوقت والجهد معاً، كيف يمكن وضع تناسق بين عنصر واحد (اللون) يتواجد في موقعين مختلفين من المشهد المسرحي؟
 
وبشكل عام يمكن القول أن عرض "ع أرض الغجر" الذي استقبله الجمهور اللبناني في الصيف الماضي على مسرح كازينو لبنان استقبالاً حافلاً، استمر لأربعة شهور متتالية، هذا العرض نجح أيضاً في كسب احترام وإعجاب جمهور دبي، كما أعاد إلى الأذهان مقولة أن العرض المسرحي الذي يغيِّر شيئاً ما بداخلك، لتخرج من المسرح إنساناً مختلفاً، هو عرض ناجح بمعايير النقد الفني.
 
المسرحية من تأليف وتلحين وإنتاج غدي الرحباني، وإخـــــراج مروان الرحباني وبـطــولــة غسان صليبا والين لحود وبول سليمان، بالإشتراك مع بيار شمعون، وفرقة مكونة من 70 شخصاً مع نخبة من ألمع الممثلين والراقصين في المسرح الرحباني، وتتناول صراع البطل ضد الغجر الذين استولوا على أرضه ومحاولاته استردادها ثم وقوعه في غرام ابنة شيخهم وتحوله بسبب ذلك الغرام إلى غجري، وتنازله عن الأرض مقابل مشاعره الإيجابية تجاه ابنة شيخ الغجر.

No comments:

Post a Comment